30 - 04 - 2025

تحليل اقتصادي | تخفيض الفائدة قرار جريء للمركزي والعين علي الأموال الساخنة وأدوات الدين

تحليل اقتصادي | تخفيض الفائدة قرار جريء للمركزي والعين علي الأموال الساخنة وأدوات الدين

- قرار تخفيض سعر الفائدة 2,5% يحدث لأول مرة منذ 5 سنوات.. ويمثل خطوة صادمة للأسواق في ظل الحرب التجارية
- توفير 175 مليار جنيه سنويا في كلفة خدمة الدين العام للدولة.. وتحفيز الاستثمار وسوق العمل

في خطوة مفاجئة وصادمة للأسواق.. أعلن البنك المركزي المصري منذ أيام قليلة مضت تخفيض سعر الفائدة بالبنوك بواقع 2.25%، لأول مرة منذ نحو 5 سنوات... وهو القرار الذي أثار تساؤلات كثيرة حول دوافعه وتوقيته، خاصة في ظل حالة الغموض والضبابية التي تكتنف الاقتصاد العالمي.

لماذا الأن؟

القرار يأتي في وقت حساس وشائك.. حيث يشهد الاقتصاد العالمي اضطرابات حادة نتيجة لحالة الحروب التجارية الدائرة بين الدول والاقتصاديات الكبري، أبرزها التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة، والإجراءات الحمائية التي تتخذها عدة دول في محاولة لحماية اقتصاداتها. هذه البيئة العالمية تجعل إتخاذ أي قرار اقتصادي محلي محاطا بكثير من المخاطر والحذر.. وهو الأمر الذي يزيد من أهمية وتأثير قرار البنك المركزي المصري.

وإن كان هذا القرار في السياق المحلي يبدو مفهوما، خاصة وأن مصر تواجه ضغوطا داخلية تتعلق بإرتفاع نسبة التضخم وارتفاع كلفة الدين العام، وتباطؤ الاستثمار، وبالتالي فهناك رغبة داخلية من متخذي القرار في ضرورة تحفيز النشاط الاقتصادي من خلال تقليل كلفة التمويل على الأفراد والشركات.

وإذا وضعنا تلك الثلاث النقاط الهامة وهي: التضخم، والاستثمار، والتوظيف .. ونتساءل: من سيتأثر أكثر؟

بتحليل بسيط فإن خفض الفائدة غالبا ما يستخدم كأداة لتحفيز الاستثمار وتحسين سوق العمل، عندما تقل تكلفة الاقتراض تزداد شهية المستثمرين وتخلق فرصا جديدة للتوظيف وينتعش قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. ولكن في المقابل نجد أن هناك تخوفا من أن يؤدي هذا القرار إلى ارتفاع جديد في معدلات التضخم، خاصة إذا لم يكن هناك انضباط في السياسات المالية أو رقابة على الأسعار.

كما أن أحد المخاطر الكبيرة من جراء قرار خفض سعر الفائدة في حالة مصر تحديدا هو احتمالات هروب الأموال الساخنة، وهي استثمارات قصيرة الأجل تبحث عن عوائد مرتفعة وسريعة.. وكذلك أدوات الدين الحكومية التي كانت تجذب هذه الأموال بسبب ارتفاع العائد عليها، فقد تصبح أقل جاذبية الآن.. مما قد يؤدي إلى تقلبات في سوق الصرف وزيادة الضغط على العملة المحلية.

ميزة لا يمكن تجاهلها: تخفيض كُلفة الدين العام

ولكن رغم كل هذه التخوفات فإن هناك ميزة لا يمكن تجاهلها، فقد صاحب قرار تخفيض سعر الفائدة بالبنوك جانب إيجابي ضخم جدا وهو تقليل كُلفة خدمة الدين العام بحوالي 175 مليار جنيه سنويا، مما سيخفف العبء عن الموازنة العامة، ويوفر مساحة مالية يمكن إعادة توجيهها نحو قطاعات الإنتاج والتعليم والصحة.. ولو تم تخفيض الفائدة بشكل إضافي آخر يمكن أن تصل الوفورات إلى أرقام أكبر مما يعزز من التدفقات المالية المستديمة .

وفي المقابل فإن هذا القرار يعني أيضا بداية النهاية للشهادات ذات العائد المرتفع التي وصلت لـ27%، إذ لن يكون منطقيا استمرار طرحها في ظل سياسة نقدية توسعية.. وستقوم البنوك بلا شك في إعادة النظر في هيكل منتجاتها.. وقد تتجه لتقديم شهادات بعائد أقل تدريجيا. وهذا قد يدفع الأفراد للبحث عن أدوات استثمار بديلة مثل العقارات أو البورصة.

في الحقيقة.. فإن قرار البنك المركزي قرار جريء ولكن بتكلفة محسوبة، ويمثل تحولا في السياسة النقدية ويعكس ثقة في قدرة الاقتصاد المصري على امتصاص الصدمة والتكيف مع المتغيرات العالمية.. فهو خطوة في طريق طويل نحو إعادة هيكلة الاقتصاد وتخفيف عبء الديون وتحفيز الإنتاج، لكنه يحتاج إلى دعم عبر سياسات مالية منضبطة وإصلاحات هيكلية ورقابة قوية حتى لا يتحول إلى عبء تضخمي أو تهديد للاستقرار النقدي.
---------------------------------

بقلم: ضياء عبد الحميد